سورة يوسف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
{وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا} يعني امرأة العزيز، وطلبت منه أن يواقعها {وَغَلَّقَتِ الأبواب} وكانت سبعة.
{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}، اختلف القراء فيه، فقرأ ابن عباس والسلمي وأبو وائل وقتادة: هِئتُ لك بكسر الهاء وضم التاء مهموزاً، بمعنى تهيأتُ لك، وأنكرها أبو عمرو، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: سمعت أبا عمرو وسئل عن قراءة من قرأ: هِئتُ لك بكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو: باطل، جعلها من تهيأت، اذهب واستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحداً يقول هذا؟
وقال الكسائي أيضاً: لم يُحكَ هئت عن العرب، وقال عكرمة: هِئتُ لك: أي زيّنت لك وحسنت وهي قراءة غير مرضية، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وعبدالله بن أبي إسحاق: هيت لك بفتح الهاء وكسر التاء، وقرأ يحيى بن وثاب: هِيتُ بكسر الهاء وضم التاء، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء، وأنشد طرفة:
ليس قومي بالأبعدين إذا *** ما قال داع من العشيرة هَيتَ
هم يجيبون إذا هم سراعا *** كالأبابيل لا يغادر بيت
وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم واللغة المعروفة عند العرب، الشعبي عن عبد الله بن مسعود: أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم هَيتَ لك.
وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ هيت لك، فقيل له: هيت لك، فقال ابن مسعود: إنما نقرأها كما تعلّمناها وسمعناها جميعاً هلُمَّ وأقبل وادنُ، قال الشاعر يخاطب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
أَبلغْ أمير المؤمنين اهل العراق إذا أتيتا *** أن العراق وأهله سلم إليك فهيت هيتا
قال السّدّي: هي بالقبطيّة هلمّ لك، وقال الحسين: هيت لك كلمة بالسريانية أي عليك، قال أبو عُبيد: كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعالَ، قال أبو عبيد: سألتُ شيخاً عالماً من حوران فذكرَ أنها لغُتهم، وكذا قال عكرمة، وقال مجاهد وغيره: هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وهي كلمة حَثّ وإقبال على الشيء، وأصلهما من الدعوة والصياح تقول العرب: هيّتَ فُلان بفلان إذا دعاهُ وصاحَ به، قال الشاعر:
قَدْ رابني أنّ الكريّ أسكتا *** لو كان مَعْنيّاً بها لهَيَّتا
أي صاح به، والكريّ المكاريّ.
وقال أُستاذنا أبو القاسم بن حبيب: رأيتُ في بعض التفاسير هيتَ لك يقول: هل لك رغبة في حُسني وجمالي، وذكر أبو عبيدة أن العرب لاتُثنّي هَيتَ ولا تجمع ولا تؤنّث، وإنّها بصورة واحدة في كلّ حال وإنّما تتميّز بما بَعدها وبما قبلها.
قال يوسف عليه السلام عندَ ذلك: {مَعَاذَ الله} أعتصمُ وأستجيرُ بالله ممّا دعوتِني إليه وهو مصدر تقديره: عياذاً بالله.
{إِنَّهُ ربي} يعني إنّ زَوجكِ قطفير سيديّ، {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي منزلتي، وعلى هذا أكثر المفسّرين، قال بعضهم: إنّها مردودة إلى الله {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي آواني ومن بلاء الحب عافاني.
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} يعني إن فعلتُ، وأْتَمنني هذا فخنتُه في أهلهِ بعدما أكرمني وأْتمَنني وأحسنَ مثواي فأنا ظالم ولا يُفلح الظالمون، وقيل الزناة.
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} يعني الهَمُّ بالشيء: حَديث المرء نفسَهُ به، ولمّا يفعل ذلك. يقول الشاعر:
هممتُ وَلمْ أفعلْ وكِدتُ وليتني *** تركتُ على عثمان تبكي حَلائلهُ
فأما ما كان من همّ يوسف عليه السلام بالمرأة وهمتها بهِ، فإنّ أهل العلم اختلفوا في ذلك، فروى سفيان بن عُيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: سَمِعتُ ابن عباس سُئِلَ: ما بلغَ من همّ يوسف قال: حَلَّ الهميان وجلس منها مجلس المُجامع.
وروى ابن جريح عن ابن أبي عطية، قال: سألتُ ابن عباس رضي الله عنه: ما بلغَ من همّ يوسف، قال: استلقتْ له على قفاها وقعد بين رجليها لينزع ثيابَهُ.
سعيد بن جُبير: أطلق تكة سراويله، مُجاهد: حَلَ السراويل حَتّى بلغَ الثفن، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته.
الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بيده إلى جيد يوسف، وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتّى جمع بينهما.
قال السَديّ وابن اسحاق: لمّا أرادت امرأة العزيز مُراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر لهُ محاسن نفسه وتُشوّقه إلى نفسها فقالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أوّل ما ينتثر من جسدي، قالت: يا يوسف ما أحسنَ عينك قال: هي أوّل ما تسيلُ إلى الأرض من جسدي، قالت: ما أحسن وجهك قال: هو للتُراب يأكله، فلم تزل تُطيعه مرّة وتخيفه أُخرى وتدعوه إلى اللذّة، وهو شاب مستقبل بجد من شبق الشباب ما يجد الرجل، وهي حسناء جميلة حتى لانَ لها ممّا يرى من كلفها به ولما يتخوف منها حتى خليا في بعض البيوت وهمَّ بها، فهذه أقاويل المفسّرين من السلف الصالحين.
وقالت جماعة من المتأخرين: لا يليق هذا بالأنبياء [:] فأوّلوا الآية بضروب من التأويل، وقال بعضهم: وهمَّ بالفرار منها، وهذا لا يصحّ لأنّ الفرار مذكور وليس له في الآية ذكر، وقيل: هَمَّ بضربها ودفعها، وقيل: هَمَّ بمخاصمتها ومرافعتها إلى زوجها، وقيل: وهَمَّ بها هو كناية عن غير مذكور، وقيل: تَمَّ الكلام عند قوله: ولقد همّت به ثمّ ابتدأ الخبر عن يوسف وقال: وهمَّ بها.
{لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: على التقديم والتأخير تقديرها: لولا أن رأى برهان ربّه لهمَّ بها ولكنّه رأى البرهان فلم يهمّ كقوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان} [النساء: 83]
وهذا فاسدٌ عند أهلِ اللغة لأنّ العرب لا تُقدّم جواب {لولا} قبلها، لا يقول: لقد قمت لولا زيد، وهو يُريد، لولا زيد لقمتُ، جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: همّت بيوسف أن يفترشها وهمّ بها يوسف يعني تمنّاها أن تكون له زوجة.
وهذه التأويلات التي حكيناها كلها غير قوّية ولا مُرضية لمخالفتها أقوال القُدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم التأويل، وهم قد أخذوا عن الذين شهدوا التنزيل.
وكما روي في الخبر الصحيح أنّ يوسف لما دخل على الملك وأقرّت المرأة، وقال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} قال له جبرئيل عليه السلام: ولا حين هَمَمت بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك {وَمَآ أُبَرِّئُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي}.
وأما أهل الحقائق فإنّهم قالوا في وجه هذه الآية: إنّ الهمّ همّان: همٌّ مُقيمٌ ثابت وهو إذا كان مع عزيمة وعقد ونيّة ورضى مثل همّ امرأة العزيز فالعهد مأخوذ.
وهمٌّ عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزيمة مثل همّ يوسف عليه السلام، والعهد غير مأخوذ ما لم يتكلّم به أو يفعله، يدلّ عليه ما روي عن ابن المبارك قال: قلتُ لسفيان: أيؤخذ العهد بالهمّة؟ قال: إذا كان عزماً أُخذ بها.
وروي عن أبي هُريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عزّ وجل:إذا همّ عبدي بالحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، وإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هَمَّ عبدي بالسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإنْ عملها كتبتها عليه سيّئة واحدة، فإنْ تركها من أجلي كتبتها له حسنة».
والقول بإثبات مثل هذه: الزلاّت والصغائر على الأنبياء عليهم السلام غير محظور لضرب من الحكمة:
أحدها: ليكونوا من الله تعالى على وجل إذا ذكروها فيجدّون في طاعته إشفاقاً منها ولا يتّكلون على سعة رحمة الله.
والثاني: ليُعرّفهم موقع نعمته وامتنانه عليهم بصرفه عنهم.
والثالث: ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك اليأس من عفوه وفضله.
وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد إلاّ يلقى الله عزّ وجل قد هَمّ بخطيئة أو عملها إلاّ يحيى بن زكريا فإنّه لم يهم ولم يعملها».
وعن مصعب بن عبدالله قال: حدّثني مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهاً، فدخلت عليه امرأة تستفتيه: فتأمنته بنفسه فامتنع عليها وذكّرها، فقالت له: إن لم تفعل لأشهّرنَّ بك ولأصيحنَّ بك، قال: فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف النبي عليه السلام، فقال له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف النبي هممتُ وأنت سُليمان الذي لم تَهمّ.
وأمّا البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام فإنّ العلماء اختلفوا فيه، فأخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن أبي العباس الأصمّ عن الحسن بن علي، عن الحسين بن عطية عن إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد عن ابن عباس {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قال: مثل له يعقوب فضرب يده في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وقال الحسن وسعيد بن جُبير وحميد بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن سيرين وأبو صالح وشمر بن عطية والضحّاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على إصبعه.
وقال ابن جبير: فكل ولد يعقوب ولِدَ له اثنا عشر ولداً إلاّ يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولداً من أجل نقص من شهوته حين رأى صورة أبيه فاستحياهُ.
قُتادة: رأى صورة يعقوب فقال: يا يوسف تعمل عمل السُّفهاء وأنت مكتوبٌ من الأنبياء؟ ابن أبي مليكه: عن ابن عباس قال: نودي: يا يوسف أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له؟ السدّي: نودي يا يوسف تواقعها؟ إنّما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يُطلق، ومثلُكَ إنْ واقعتها مثل الطير إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه، ومثلك إنْ واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه، فلا يستطع أن يدفع عنه نفسه.
أبو مردود عن محمّد بن كعب القرضي: قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ فرأى كتاباً في حائط البيت {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32]
. أبو معشر عنه: لولا ما رأى بالقرآن من تعظيم الزنا وتحريمه، وزاد القرضي: بالقرآن وصحف إبراهيم عليه السلام.
ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} قال: حَلّ سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته وإذا بكفّ قد مُدّت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10-12].
قال: فقام هارباً وقامت، فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته فإذا بكف قد مدّتْ فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، فقام هارباً وقامت فلمّا ذهب عنهما الرُعب عادت وعاد، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته، قال الله تعالى لجبريل عليه السلام: يا جبرئيل أدرك عبدي قبل أن يُصيب الخطيئة، فرأى جبريل عاضّاً على أصبعه أو كفّه وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء؟ فذلك قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء}.
قتادة عن عطية عن وهب بن مُنبه، إنّه قال: لمّا همّ يوسف وامرأة العزيز بما همّا خرجت كفّ بلا جسد بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] ثُمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، ثُمّ رجعت الكفّ بينهما مكتوبٌ عليها بالعبرانية {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10-12]، ثمّ انصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ بالعبرانية مكتوب عليها: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32] فانصرفت الكفّ وقاما مقامهما، فعادت الكفّ رابعة مكتوبٌ عليها بالعبرانية: {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] فولّى يوسف هارباً.
وروى عطية عن ابن عباس، أنّ البرهان الذي رآه يوسف أنّه أُرِيَ تمثال الملك، وروى عمر بن اسحاق عن بعض أهل العلم أنّه قطفير سيّده حين دنا من الباب في ذلك الحين، إنّه لما هرب منها واتّبعته ألفاه لدى الباب.
روى علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر الصادق ج قال: حدّثني أبي عن أبيه علي ابن الحسين، في قوله تعالى: {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قال: قامت امرأة العزيز إلى الصنم فاظلت دونه بثوب فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقالت: أستحيي من الصنم أن يرانا، فقال يوسف: أتستحيين ممَّن لا يسمع ولا يُبصر ولا يفقه ولا يشهد ولا أستحيي ممّن خلق الأشياء وعلّمها؟
وقال جعفر بن محمد: البرهان النبوّة التي: أودع الله صدره هي التي حالت بينه وبين ما يسخط الله.
وقيل: هو ما آتاه الله من العلم والحكمة، وقال أهل الإشارة: إنّ المؤمن له بُرهان من ربّه في سرّه من معرفته فرأى ذلك البُرهان وهو زاجره.
فالبرهان الآية والحجّة، وجواب {لولا} محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربّه لزنا، وحقّق الهمّة الغريزية بهمّة الكسب، لقوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 10] [النور: 20] {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] {وأَنّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيْم} [النور: 20] مجازه لهلكتم، وقال امرؤ القيس:
فلو أنّها نفس تموت سوية *** ولكنّها نفسٌ تساقط أنفسنا
أراد بسقطت فنيت ولهان عليَّ، ونحوها.
قال الله تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء} الإثم {والفحشآء} الزنا.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} قرأ أهل مكّة والبصرة بكسر اللام أي المُخلِصين التوحيد والعبادة لله، وقرأ الآخرون بفتح اللام أي المختارين للنبوّة، دليلها قوله: {إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} [ص: 46]. وروى الزهري عن حمزة بن عبيدالله بن عمران بن عمر قال: قال: «لمّا اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم الألم الذي توفّي فيه، قال صلى الله عليه وسلم: يصلّي بالناس أبو بكر»، قالت عائشة: يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق، وإنّه لا يملك نفسه حين يقرأ القُرآن، فَمُره عمر يصلّي بالناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصلّي بالناس أبو بكر» فراجعته، فقال «ليصلِّ بالناس أبو بكر فإنّكن صويحبات يوسف»، قالت عائشة: والله ما حملني في ذلك الأمر عليهم أن يكون أوّل رجل قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبدالله بن محمد بن شيبة قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن جعفر المستملي قال: حدّثنا بعض أصحابنا قال: قال جعفر بن سليمان: سمعتُ امرأة في بعض الطرق وهي تتكلّم ببعض الرفث فقلت لها.... إنّكن صويحبات يوسف، فقالت له المرأة: واعجباً نحنُ دعوناه إلى اللذّة، وأنتم أردتم قتله، فمن أصحابه نحن أو أنتم، وقتل النفس أعظم ممّا أردناه؟
{واستبقا الباب} وذلك أنّ يوسف لمّا رأى البُرهان قامَ مُبادراً إلى باب البيت، هارباً ممّا أرادته منه، واتبعته المرأة فذلك قوله تعالى.
{واستبقا الباب}: يعني بادر يوسف وراحيل إلى الباب، أمّا يوسف ففراراً من ركوب الفاحشة، وأمّا المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها أيّ راودته عليها، فأدركته فتعلّقت بقميصه من خلفه فجذبته إليها مانعة له من الخروج.
{وَقَدَّتْ} أي خرّقتْ وشقّت {قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ}: من خلف لا من قُدّام، لأنّ يوسف كان الهارب والمرأة الطالبة، فلمّا خرجا {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الباب}، أي وجدا زوجها قطفير عند الباب جالساً مع ابن عمّ لراحيل، فلمّا رأته هابته فقالت: سابقة بالقول لزوجها: {قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا} يعني الزنا، {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ} يُحبس، {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني الضرب بالسياط، قاله ابن عباس: {قَالَ} يُوْسِف: بل {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ}، اختلفوا في هذا الشاهد، قال سعيد بن جُبير وهلال بن يسار والضحّاك: كان صبيّاً في المهد أنطقه الله بقدرته.
وحدّثنا العوفي عن ابن عباس وشهر بن حوشب عن أبي هريرة، ويدلّ عليه ما روى عطاء ابن السائب عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكلّم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب بن جُريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام.».
وقيل: كان ذلك الصبيّ ابن خال المرأة، وقال الحسن: غلامه، قتادة والضحّاك ومجاهد برواية [...]: ما كان بصبي ولكنه كان رجلا حكيماً ذا لحية، له رأي ومقال وآية، وهو رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس، قال: وكان من خاصّة الملك. وقال السدي: هو ابن عمّ راحيل، وكان جالساً مع زوجها على الباب فحُكِّم وأخبر الله تعالى عنه: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ} الآية.
قال عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنّ الشاهد قميصه المقدود من دُبر، ومعنى شَهِد شاهد حَكم حاكم من أهلها، قال مجاهد: قال الشاهد: تبيان هذا الأمر في القميص.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ} {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي قدام {فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ} وخفّف ابن أبي إسحاق القُبل والدُبر وثقّلهما الآخرون وهما لغتان.
فجيء بالقميص فإذا هو قُدّ من دُبر، فلمّا رأى قطفير قميصه قُدّ من دُبر عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف فَ {قَالَ} لها {إِنَّهُ} أي إنّ هذا الصنيع {مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}، وقيل: إنّ هذا من قول الشاهد.
ثمّ أقبل قطفير على يوسف فقال: {يُوسُفُ} يعني يا يوسف، لفظ مفرد {أَعْرِضْ عَنْ هذا} الحديث فلا تذكره لأحد، وقيل: معناه لا تكترث له فقد كان عفوك لبراءتك، ثمّ قال لامرأته: {واستغفري لِذَنبِكِ} وقيل: هو من الشاهد ليوسف والراحيل، وأراد بقوله: استغفري لذنبك، يقول: سلي زوجك ألاّ يعاقبكَ على ذنبك ويصفح عنك، وهذا معنى قول ابن عباس.
{إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من المذنبين حين راودت شابّاً عن نفسه وخُنتِ زوجك، فلمّا استعصم كذبت عليه، يقال خطأ يخطأ خطأً، وخِطأً، وخطاً وخِطاءً، إذا أذنب والاسم منه الخطيئة، قال الله تعالى: {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} [الإسراء: 31] وقال أُميّة:
عبادك يخطأون وأنتَ ربٌّ *** بكفّيك المنايا والحتومُ
أيّ يُذنبون؛ فإذا أرادوا التعمّد قيل: خَطأ خطأْ هنا لأنّ الفعل بالألف قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} [النساء: 92]، وإنّما قال: {مِنَ الخاطئين} ولم يقل: الخاطئات لأنّه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنّما قصد به الخبر عمّن يفعل ذلك، وتقديره: من القوم الخاطئين. ومثله قوله: {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} [التحريم: 12]، بيانه قوله: إنّها كانت من قوم كافرين.


{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة} يقول: شاع أمر يوسف والمرأة في مدينة مصر وتحدّثت النساء بذلك، وقلن يعني امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب، قاله مقاتل {امرأة العزيز} وهو في كلام العرب الملك، قال أبو داود:
درّةٌ غاصَ عليها تاجِرٌ *** جُليت عند عزيز يومَ طلّ
أيّ ملك.
{تُرَاوِدُ فَتَاهَا} عدّها الكنعاني عن نفسه.
{قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} أي أحبّها حتى دخل حبّه شغاف قلبها، وهو حجابه وغلافه. قال السدّي: الشغاف جلدة رقيقة على القلب يُقال لها: لسان القلب، تقول: دخل الحُبّ الجلد حتى أصاب القلب، قال النابغة الذبياني:
وقَدْ حال هَمّ دون ذلك داخلٌ *** دخولَ الشِّغافِ تبتغيه الأصابعُ
وقال ابن عباس: علقها حُبّاً، الحسن: بطنها حُباً، قتادة: استبطنها حبّها إيّاه، أبو رجاء: صدقها حُبّاً، الكلبي: حجب حبّه قلبها حتى لا يعقل سواه.
وقرأ أبو رجاء العطاردي والشعبي والأعرج، شعفها بالعين غير معجمة واختلفوا في معناها فقال الفرّاء: ذهب بها كلّ مذهب، وأصله من شعف الجبال وهي رؤوسها، والنخعي والضحّاك: فتنها، وذهب بها، وأصله من شعف الدابة حين تتمرّغ بذُعر، قال امرؤ القيس:
أتقتلني وقد شعفتُ فؤادها *** كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
ومراده: ذهب قلب امرأته كما ذهب الطالي بالإبل بالقطران يتلو بها، والإبل تخاف من ذلك ثمّ تستروح إليه، وقال الأخفش: من حبُّها، وقال محمد بن جرير: عمّها الحُب.
{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}: خطاً بيّن، {فَلَمَّا سَمِعَتْ} راحيل، {بِمَكْرِهِنَّ} بقولهنّ وحديثهنّ، قال قتادة والسدّي وقال ابن إسحاق: وإنّما قلنّ ذلك مكراً بها ليَرينَ يهمّن يوسف وكان قد وصِف لهُنّ حُسنه وجماله {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} قال وهب: اتخذّت مأدبة ودعت أربعين امرأة فيهنّ هؤلاء اللائي عيّرنها، {وَأَعْتَدَتْ} وأعدّت وهو أفعلت العَتاد وهو العِدَّة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً} [الكهف: 29].
{لَهُنَّ مُتَّكَئاً} مجلساً للطعام وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد، يُقال: ألقى له مُتّكأً أيّ ما يُتّكأ عليه، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة. وقال سعيد بن جُبير والحسن وقتادة وأبي إسحاق وابن زيد: طعاماً، قال القتبيّ: والأصل فيه أنّ من دعوته إلى مطعم عندك أعددت له وسادة أو متّكأ، فسُمّي الطعام مُتّكأ على الاستعارة، يُقال: اتّكأنا عند فلان أي أكلنا، قال عدي بن زيد:
فظللنا بنعمة واتّكأنا *** وشَربنا الحلال من قُلَلِهِ
وروي عن الحسن أنّه قال: متّكاء بالتشديد والمدّ وهي غير فصيحة، وعن الحسن: فما أظنّ بصحيحة، وقرأ مجاهد مُتّكأ خفيفة غير مهموزة، وروي ذلك عن ابن عباس.
واختلفوا في معناه، فقال ابن عباس: هو الأترج، عكرمة: هو الطعام، وأبو روق عن الضحّاك: الزماوَرد، علي بن الحكم وعبيد بن حكيم، عنه: كلّ شيء يُحزّ بالسكّين فهو عند العرب المتّكأ، والمتك والبتك: القطع والعرب تُعاقب بين الباء والميم تقول سمد رأسه وسبده، وأغبطت عليه وأغمطته لازب ولازم قال الله تعالى: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام} [النساء: 119].
{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَت} ليوسف {اخرج عَلَيْهِنَّ} وذلك أنّها قد كانت أجلسته في مجلس غير المجلس الذي هُنّ فيه جلوس، فخرج عليهنّ يوسف عليه السلام، قال عِكْرمة: وكان فضل يوسف على الناس في الحسن والجمال كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مررتُ ليلة أُسري بي إلى السماء فرأيتُ يوسف، فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: هذا يوسف» قالوا: وكيف رأيته يا رسول الله، قال: «كالقمر ليلة البدر».
وعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هبط جبرئيل فقال: يا محمد إنّ الله تعالى يقول: كسوتُ حُسنَ يوسف من نور الكُرسي، وكسوتُ نورُ حُسن وجهك من نور عرشي».
وروى الوليد بن مسلم عن إسحاق عن عبدالله بن أبي فروة قال: كان يوسف إذا سارَ في أزقّة مصر يُرى تلألؤ وجهه على الجُدران كما يُرى نور الشمس والماء على الجدران.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي أعظمنه وأجللنه، قال أبو العالية: هالَهنّ أمره وبُهتن، وروى عبدالصمد بن علي عن عبدالله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} قال حضن من الفرح، ثم قال:
نأتي النساء على أطهارهنّ ولا *** نأتي النساء إذا أكبرنَ إكباراً
وعلى هذا التأويل يكون أكبرنه بمعنى أكبرن له أي حِضن لأجله من جماله، ووجدن ما تجد النساء في مثل تلك الحال وهذا كقول عنترة:
ولقد أبيتُ على الطوى وأظلّه *** حتى أنال به كريم المطعم
أي وأظلّ عليه.
قال الأصمعي: أُنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البيت، فقال: «ما من شاعر جاهلي أحببت أن أراه دون... البيت».
{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}، يعني وحَزَزْنَ أيديهنّ بالسكاكين التي معهنّ وكُنّ يحسبن أنّهنّ يقطّعن الأترج، عن قتادة: قطّعن أيديهنّ حتى ألقينها، وقال مجاهد: فما أَحسسنَ إلاّ بالدم ومنهنّ لم يجدن من ألم إلاّ يُرى الدم لشغل قلوبهنّ بيوسف، قال وهب: وبلغني أنّ تسعاً من الأربعين مِتنَ في ذلك المجلس وُجْداً بيوسف.
{وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ} أي معاذ الله، قال أبو عبيدة: لهذه الكلمة معنيان: التنزيه الاستثناء، واختلف القُرّاء فيها فقرأت العامّة: حاشَ لله، [...] حذفوا الألف لكثرة دورها على الألسن كما حذفت العرب الألف من قولهم: لأب لغيرك ولأب لشانئِكَ، وهم يعنون لا أبَ، واختار أبو عُبيدة هذه القراءة وقال: اتّباعاً للكتاب وهو الذي عليه الجمهور الأعظم، مع إنّي قرأتها في الإمام مصحف عثمان عليه السلام: حاشَ لله والأخرى مثلها. وقرأ أبو عمرو: حاشي لله بإثبات الياء على الأصل، وقرأ ابن مسعود حاشى الله، كقول الشاعر:
حاشا أبي ثوبان إن به *** ضَنّا عن الملحاة والشتم
{مَا هذا بَشَراً} نصب بنزع حرف الصفة وعلى خبر ما الجحد كما تقول: ما زيدٌ قائماً، وقرأ الأعمش: ما هذا بشرٌ بالرفع وهي لغة أهل نجد، وأنشد الفرّاء:
ويزعم حسل أنه فرعُ قومه *** وما أنتَ فرعٌ يا حُسيل ولا أصلُ
وأنشد آخر:
لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي *** جميعاً فما هذان مستويان
تمنّوا ليَّ الموت الذي يشعب الفتى *** وكلُّ فتىً والموت يلتقيانِ
وروى الفرّاء عن دعامة بن رجاء التيمي عن أبي الحويرث الحنفي أنّه قرأ: ما هذا بِشَريّ، قال الفرّاء: يعني بمُشتري، {إِنْ هاذآ} ما هذا {إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} من الملائكة.
قال الثعلبي: سمعت ابن فورك يقول: إنمّا قلن له مَلكٌ كريم لأنّه خالف ميوله وأعرض عن الدنيا وزينتها وشهوتها حين عُرِضْنَ عليه، وذلك خلاف طبائع البشر.
قالت: راحيل للنسوة: {فذلكن الذي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي في حُبّه وشغفي فيه، ثمّ أقرّت لهنّ فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم} أي امتنع واستعصى، فقلن له أطع مولاتك، فقالت رحيل: {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ} ولئن لم يُطاوعني فيما دعوته إليه، {لَيُسْجَنَنَّ} أحبسنّه، {وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين} أي الأذلاّء ونون التوكيد تثّقل وتخفّف والوقف على قوله: {لَيُسْجَنَنَّ} بالنون لكنّها مُشدّدة. وعلى قوله: وليكوناً بالألف لأنّها مخفّفة وهي تشبه نون الإعراب في الأسماء كقولك: رأيتُ رجلا، فإذا وقفت قلت: رجلا ومثله قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بالناصية} [العلق: 15]، ونحوه الوقف عليها بالألف كقول الأعشى:
وصلّ على حين العشيّات والضُحى *** ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أي أراد فاعبدنْ، فلمّا وقف عليه كان الوقف بالألف.
واختار يوسف حين عاودته المرأة في المراودة وتوعّدته، السجن على المعصية، {قَالَ رَبِّ}: يا ربّ، منادى مضاف، {السجن} المحبس، قراءة العامّة بكسر السين على الاسم وقرأ يعقوب برفع السين على المصدرية يعني الحبس، {أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ}، ثمّ علم أنّه لا يستعصم إلاّ بعصمة الله فقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ} أمِلْ {إِلَيْهِنَّ} وأُبايعهن، فقال صبا فلان إلى كذا، وصبا يصبو، صبواً وصبوة، إذا مال واشتاق إليه، قال يزيد بن ضُبّة:
إلى هند صبا قلبي *** وهندٌ مثلها يُصبي
{وَأَكُن مِّنَ الجاهلين * فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السميع} لدعائه وشكايته، {العليم} بمكرهنّ.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أي العزيز وأصحابه، في الرأي {مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات} الدّالة على براءة يوسف، وهي قدّ القميص من دُبر وخمش في الوجه وتقطيع النسوة أيديهنّ {لَيَسْجُنُنَّهُ} قال الفرّاء: هذه اللام في اليمين وفي كلّ مضارع القول كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه} [البقرة: 102] {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} [فصلت: 48] دخلتهما اللام وما لأنّهما في معنى القول واليمين.
{حتى حِينٍ} يعني إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم.
قال عِكْرمة: تسع سنين، الكلبي: خمس سنين، و{حتى} بمعنى إلى كقوله تعالى: {حتى مَطْلَعِ الفجر} [القدر: 5]، وقال السدّي: وذلك أنّ المرأة قالت لزوجها: إنّ هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم ويخبرهم أنّي راودته عن نفسه، ولستُ أُطيق أن أعتذر بعُذري، فإمّا أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وأمّا أن تحبسوه كما حبستني، فحبسه بعد علمه ببراءته، وذكر أنّ الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيراً ليوسف من همّته بالمرأة وتكفيراً لزلّته.
قال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات: حين همّ بها فسجن، وحين قال: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ}، وحين قال لهم: {إنّكُمْ لَسارِقُوْنَ} فَقَالوا {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْل}.


{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
{وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ} وهما غلامان كانا للملك الأكبر الوليد بن الريان، أحدهما خبّازه صاحب طعامه واسمه مجلِث، والآخر ساقيه صاحب شرابه واسمه بنو غضب عليهما الملك فحبسهما، وذلك أنّه بلغه أنّ خبازه يريد أن يسمّه وأنّ ساقيه مالا على ذلك، وكان السبب أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله فدسّوا إلى هذين، وضمنوا لهما مالا ليسُمّا طعام الملك وشرابه فأجاباهم إلى ذلك، ثمّ إنّ الساقي نكل عنه وقبل الخباز الرشوة فسمّ الطعام.
فلمّا حضر وقته وأحضر الطعام، قال الساقي: أيّها الملك لا تأكل فإنّ الطعام مسموم، فقال الخباز: لا تشرب أيّها الملك فإنّ الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشربه فلم يضرّه، وقال للخباز: كل من طعامك، فأبى، فجرّب ذلك الطعام على دابّة من الدواب فأكلته فهلكت، فأمر الملك بحبسهما.
وكان يوسف لمّا دخل السجن قال لأهله: إنّي أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيان لصاحبه: هلمّ فلنجرّب هذا العبد العبراني، فتقرّبا له وسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً، قال عبدالله بن مسعود: ما رأى صاحبا يوسف شيئاً، إنّما كانا تحالفا أن يُجرّبا علمه.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أرى عينيه في المنام ما لم تَريا كُلِّف أن يعقد بين شعرتين يوم القيامة، ومن استمع لحديث قوم وهم له كارهون صُبَّ في أُذنه الانك».
وقال قومٌ: كانا رأيا على صحّة وحقيقة، قال مجاهد: لمّا رأى الفتيان يوسف قالا له: والله لقد أحببناك حين رأيناك فقال لهما يوسف: أنشدكما الله أن لا تحباني؛ فإنّه ما أحبّني أحد قط إلاّ دخل عليَّ من حبّه بلاء.
لقد أحبتني عمّتي فدخل عليّ في حبّها بلاء، ثمّ أحبّني أبي فدخل عليَّ بحبه بلاء ثمّ أحبتني زوجة الملك هذا، فدخل عليّ بحبّها إيّاي بلاء، فلا تحبّاني بارك الله فيكما، قال: فأبيا إلاّ حبّه وأُلفته حيث كان، وجعلا يُعجبهما ما يريان من فهمه وعقله، وقد كانا رأيا حين دخلا السجن رؤيا فأتيا يوسف فقال له الساقي: أيّها العالم إنّي رأيتُ كأنّي غرستُ حبّة من عنب عليها ثلاث عناقيد من عنب فحبستها، وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه.
وقال الخبّاز: إنّي رأيتُ كأنّ فوق رأسي ثلاث سِلال فيها الخبز وألوان الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منه، فذلك قوله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَآ} يعني بنو {إني أراني} أي رأيتني، {أَعْصِرُ خَمْراً} يعني عنباً بلغة عمان، ويدلّ عليه عليه قراءة ابن مسعود أعصرُ عنباً.
قال الأصمعي: أخبرني المعتمر أنّه لقي أعرابياً معه عنب، فقال: ما معك؟ قال: خمر، ومنه يُقال للخلّ العنبي خلُّ خمرة، وهذا على قرب الجوار، قال القتيبي: وقد تكون هي الخمر بعينها كما يُقال: عصرتُ زيتاً وإنّما عصر زيتوناً.
وقال الآخر: وهو مجلِث: {إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} أخبرنا تفسيره وتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا.
{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} أي العالِمين الذين أحسنوا، قال الفرّاء وقال ابن اسحاق: إنّا نراك من المحُسنين إلينا إن فعلت ذلك وفسّرت رؤيانا، كما يُقال: افعل كذا وأنت مُحسن.
وروى سلمة بن نبط عن الضحّاك بن مزاحم في قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} ما كان إحسانه؟ قال كان إذا مرض رجل في السجن قام إليه، وإذا ضاق وسع له، وإن احتاج جمع له، وسأل له.
قتادة: بلغنا أنّ إحسانه كان يُداوي مريضهم، ويُعزّي حزينهم، ويجتهد لربّه.
قيل: لمّا انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم واشتدّ بلاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجروا، وإنّ لهذا لأجراً وثواباً، فقالوا له: يا فتى بارك الله فيك، ما أحسن وجهك وأحسن خلقك وأحسن حديثك لقد بورك لنا في جوارك بالحبس، إنّا كُنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا به من الأجر والكفارة والطهارة، فمن أنت يا فتى؟
قال: أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله، فقال له عامل السجن: يا فتى والله لو استطعت لخلّيت سبيلك، ولكن ما أحسن جوارك وأحسن أخبارك فكنْ في أي بيوت السجن شئت.
فكره يوسف عليه السلام أن يعبر لهما ما سألاه لِما عَلِمَ في ذلك من المكروه على أحدهما، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره، قال لهما: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في نومكما {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} في اليقظة.
هذا قول أكثر المفسّرين، وقال بعضهم: أراد به في اليقظة فقال: {لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} تطعمانه وتأكلانه {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} بتفسيرة قال: إنّه أيّ طعام أكلتم ومتى أكلتُم وكم أكلتُم، فقالا له: هذا من فعل العَرّافين والكَهنة، فقال لهما عليه السلام: ما أنا بكاهن وإنّما {ذلكما} العلم {مِمَّا عَلَّمَنِي ربي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} كرّرهُم على التأكيد. وقيل: هم الأوّل جماد كقوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] فصارت الأولى المُلغاة والثانية ابتداء، وكافرون خبره.
{واتبعت مِلَّةَ آبآئي} فتح ياءه قومٌ وسكّنها آخرون، فما وفي أمثالها فالجزم على الأصل والفتح على موافقة الألف استقلّته لأنّها أُخت الفتحة وقرأها الأعمش آبَاي إبْرَاهِيْمَ دُعَاي إلاّ فِرَاراً مقصوراً غير مهموز وفتحَ ياءهما مثل [...].
{إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ} ما ينبغي {أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ} من صلة، تقديره: أن نشرك بالله شيئاً.
{ذلك} التوحيد والعلم {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} فأراهما يوسف فطنته وعلمه ثمّ دعاهما إلى الإسلام، فأقبل عليهما وعلى أهل السجن وكان بين أيديهم أصناماً يعبودنها فقال إلزاماً للحُجّة {ياصاحبي السجن} جعلهما صاحبي السجن لكونهما فيه كقوله تعالى لسكّان الجنّة {أَصْحَابُ الجنة} [الأعراف: 44] ولسكّان النار: {أَصْحَابَ النار} [الأعراف: 44].
{ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ} آلهة شتى لا تنفع ولا تضرّ {خَيْرٌ أَمِ الله الواحد} الذي لا ثاني له {القهار} قد قهر كلّ شيء، نظيرها، قوله: {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ثمّ بين الحجر والأصنام وضعفها فقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ} أي ممّن دون الله، وإنّما قال ما تعبدون وقد ابتدأ الكلام بخطاب الإثنين لأنّه قصد به جميع من هو على مثل حالهما من الشرك، {إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} وذلك تسميتهم أوثانهم آلهةً وأرباباً من غير أن تكون تلك التسمية حقيقة، {أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ} حجّة وبرهان {إِنِ الحكم} القضاء والأمر والنهي، {إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} نظيره {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5]، {ذلك} الذي دعوتكم إليه من التوحيد وترك الشرك، {الدين القيم} المُستقيم، {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}.
ثمّ فسّر رؤياهما فقال: {ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا} وهو الساقي، {فَيَسْقِي رَبَّهُ} سيّده يعني الملك {خَمْراً} وأمّا العناقيد الثلاثة التي رآها فإنّها ثلاثة أيّام، يبقى في السجن ثمّ يُخرجه الملك ويكون على ما كان عليه، {وَأَمَّا الآخر فَيُصْلَبُ} وأمّا السلال الثلاث التي رآها فإنّها ثلاثة أيّام، يبقى في السجن ثمّ يخرجه الملك في اليوم الرابع فيصلبه، فتأكل الطير من رأسه.
قال ابن مسعود: لمّا سمعا قول يوسف قالا: ما رأينا شيئاً إنّما كنا نلعب، فقال يوسف عليه السلام: {قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي فُرغ من الأمر الذي عنه تسألان، ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به.
معلّى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه «أبي رزين العقيلي قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبر فإذا عُبِّرت وقعت، وإنّ الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة، فأحسبه قال: لا تقصّه إلاّ على ذي رأي».
وأخبرنا عبدالله بن حامد عن إسماعيل بن محمد عن الحسن بن علي بن عفان عن ابن نمير عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا لأول عابرة».
{وَقَالَ} يوسف عند ذلك، {لِلَّذِي ظَنَّ} علم، {أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} وهو الساقي، هذا قول أكثر المفسّرين، وفسّره قتادة على الظن الذي هو خلاف اليقين، وقال: إنّما عبارة الرؤيا بالظنّ ويخلق الله ما يشاء، والقول الأوّل أولى وأشبه بحال الأنبياء، {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} سيّدك يعني الملك، وقيل له: إنّ في السجن غلاماً محبوساً ظُلماً {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ} يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه عزّ وجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بالمخلوق، وتلك غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان، ونسي لهذا ربّه عزّ وجلّ الذي لو به استغاث لأسرع خلاصه ولكنّه غفل وطال من أجلها حبسه.
وقال محمد بن إسحاق: الهاء راجعة في قوله: {فَأَنْسَاهُ الشيطان} إلى الساقي فنقول: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك وعلى هذا القول يكون معنى الآية: فأنساه الشيطانُ ذكره لربه كقوله: خوف {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175] أي يخوّفكم بأوليائه.
{فَلَبِثَ} مكث، {فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ} اختلف العُلماء في معنى بضع فقال أبو عُبيدة: هو ما بين الثلاثة إلى الخسمة، ومجاهد: ما بين الثلاث إلى التسع، الأصمعي: ما بين الثلاث إلى التسع، وابن عباس: ما دون العشرة، وزعم الفرّاء أنّ البضع لا يذكر إلاّ مع العشرة والعشرين إلى التسعين، وهو نيف ما بين الثلاثة إلى التسعة، وقال: كذلك رأيتُ العرب تعمل ولا يقولون: بضع ومائة ولا بضع وألف، وإذا كانت للذكران قيل: بضعة، وأكثر المفسّرين على أنّ البضع في هذه الآية سبع سنين، قال وهب: أصاب أيوب عليه السلام البلاء سبع سنين، وتُرك يوسف في السجن سبع سنين، وعذّب بخت نصّر فحُوِّل في السباع سبع سنين.
روى يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله يوسف، لولا كلمته ما لبث في السجن طول ما لبث»، يعني قوله: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ} قال: ثمّ بكى الحسن وقال: نحن إذا نزل بنا أمر نزعنا إلى الناس، وقال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي: اذكرني عند ربّك، قيل له: يا يوسف اتّخذتَ من دوني وكيلا لأطيلنّ حبسك، فبكى يوسف عليه السلام قال: يا ربّ إننّي رابني كثرة الطوى فقلت كلمة، فويلٌ لأخوتي.
وحُكي أنّ جبرئيل دخل على يوسف عليهما السلام، فلمّا رآه يوسف عرفه وقال: يا أخا المنذرين ما لي أراك بين الخاطئين؟، ثمّ قال له جبرئيل: يا طاهر الطاهرين، يقرأ عليك السلام ربّ العالمين ويقول: مالَكَ؟ أما استحييت منّي إذ استغثت بالآدميين؟، فوعزّتي لألبثنّك في السجن بضع سنين، قال يوسف: وهو في ذلك عليّ راض؟ قال: نعم، قال إذاً لا أُبالي.
وقال كعب: قال جبرئيل ليوسف: إنّ الله تعالى يقول: من خلقك؟ قال: الله، قال: فمن حبّبكَ إلى أبيك؟ قال: الله، قال فمن أنيسك في البئر إذ دخلته عريان؟ قال: الله، قال: فمن نجّاك من كُرب البئر؟ قال: الله، قال: فمن علّمك تأويل الرؤيا؟ قال: الله، قال فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟
فلمّا انقضت سبع سنين، قال الكلبي وهذه السبعة سوى الخمسة التي كانت قبل ذلك ولمّا دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الأكبر رؤياً عجيبة هائلة وذلك أنّه رأى، {إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} خرجن من نهر يابس وَسَبْعُ بَقَرَات عِجَاف أيّ مهازيل فابتلعت العجاف السمان، أكلنهنّ حتى أتين عليهنّ فلم يُرَ منهنّ شيئاً، وَأَرَى سَبْع سُنْبُلات خُضْر قد انعقد حبّها وسبعاً أُخَر يَابِسَات قد استحصدت وأفركت والتفّت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فجمع السحرة والكهنة والحازة والقافة وقصّها عليهم وقال: {ياأيها الملأ} أي الأشراف {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} فا عبروها، {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} تفسّرون، والرؤيا: الحلم وجمعها رؤى.
{قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} أي أحلام مختلطة مُشتبهة، أهاويل بأباطيل، واحدها ضغث، وأصله الحزمة من الزرع والحشيش، قال الله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً} [ص: 44] قال ابن مقبل:
خُود كأنّ فراشها وضعت *** أضغاث ريحان غداه شمال
وقال آخر:
بحُمى ذمار حين قلّ مانعه *** طاو كضغث الخلا في البطن مُكتمنِ
والأحلام جمع الحُلم وهو الرؤيا والفعل منه حُلمتُ وأحلمُ، بفتح العين في الماضي، وحلمتها في الغابرة لها وحُلماً فعاد فحذف يا من حالم.
{وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ}، {وَقَالَ الذي نَجَا} من القتل، منهما: من الفتيين وهو الساقي، {وادكر}: أي وتذكر حاجة يوسف قوله: {اذكرني عِندَ رَبِّكَ}، {بَعْدَ أُمَّةٍ}: بعد حين، قراء ابن عباس وعكرمة والضحّاك بعد أَمَة أي بعد نسيان ويُقال أَمَة، يأمَهُ، أمَهاً، إذا نسي، ورجل ماهو أي ذاهب العقل.
وأنشد أبو عبيدة:
أمِهتُ وكنت لا أنسى حديثاً *** كذاك الدّهر يودي بالعقول
وقرأ مجاهد: أمْه، بسكون الميم وفتح الألف وهاء لخالصة، وهو مثل الأمه أيضاً وهما لغتان ومعناهما النسيان، {أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ}: أخبركم بتفسيره وما ترون {فَأَرْسِلُونِ}: فأطلقوني، وأذنوا لي أمضي وأتكم بتأويله وفي الآية أختصار تقديرها فأرسلون، فأتي السجن، قال ابن عباس لم يكن السجن في المدينة فقال: {يُوسُفُ} يعني يا يوسف، {أَيُّهَا الصديق}: فيما عبّرت لنا من الرؤيا والصدّيق الكثير الصديق ولذلك سُمّي أبو بكر صدّيقاً، وفعيّل للمبالغة والكثرة مثل الفسيّق الضليل والشريب والخمير ونحوها.
{أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ}: الآية فإنّ الملك رأى هذه الرؤيا.
{لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس} أهل مصر، {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}، تأويلها، وقيل: لعلّهم يعلمون فضلك وعلمك، فقال لهم يوسف مُعلّماً ومعبّراً: أمّا البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبات، والبقرات العجاف والسنبلات اليابسات السنون المهولة المجدبة، وذلك قوله تعالى: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} أي كعادتكم، وقال: بعضهم أراد بجدَ واجتهاد وقرأ بعضهم دأباً بفتح الهمزة وهما لغتان، يقال دبت في الأمر أدأب دأباً ودأَبَاً إذا اجتهد، قال الفرّاء: وكذلك كلّ حرف فُتح أوّله وسكن ثانية فتثقيله جائز إذ كان ثانيه همزة أو عيناً أوحاء أو خاء أو هاء.
{فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} في بذره {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} وإنّما أشار عليهم بذلك بذلك ليبقى ولا يفسد، {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ} يعني سبع سنين جدد بالقحط {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} يعني يُؤكل، فيهنّ ما أعددتم لهنّ من الطعام في السنين الخصبة، وهذا كقول القائل:
نهارك يا مغرور سهوٌ وغفلة *** وليلك نومٌ والردى لك لازمُ
والنهار لا يسهو والليل لا ينام، وإنّما يُسهى في النهار ويُنام في الليل. {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ} أي: تخزنون وخزنون وتدّخرون.
{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ} وهذا خبر من يوسف عليه السلام عمّا لم يكن في رؤيا الملك، ولكنّه من علم الغيب الذي آتاه الله عزَّ وجلَّ، كما قال قتادة: زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، فقال: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} أي يمطرون بالغيث وهو المطر، وقيل: يُغاثون، من قول العرب استغثتُ بفلان وأغاثني، {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} قرأ أهل الكوفة إلاّ عاصماً تعصرون، بالتاء لأنّ الكلام كلّه بالخطاب، وقرأ الباقون بالياء ردّاً إلى الناس، قال أكثر المفسّرين يعصرون العنب خمراً، الزيتون زيتاً، والسمسم دُهناً، وإنّما أراد بعض الأعناب والثمار والحبوب كثرة النعم والخير، وروى الفرج بن فضالة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تعصرون تحلبون، وقال أبو عبيدة: ينجون من الجدب والكرب، والعصر: المنجى والملجأ، وقال أبو زبيد الطائي:
صادياً يستغيثُ غير مُغاث *** ولقد كان عصرة المنجود
وأخبرني أبو عبدالله بن فنجويه الدينوري، أبو علي بن حبش المقرئ، أبو القاسم بن الفضل المقرئ، حدّثني أبو زرعة، حدّثني حفص بن عمر، حدّثني أبو جميلة عن عيسى بن عُبيد قال: سمعتُ عيسى بن الأعرج يقرأها فيهِ يُغاثُ الناسُ وفيهِ يُعْصِرُون، برفع الياء قال: قلت: ما يُعصرون؟ قال: المطر أي تمطرون وقرأ {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَآءً ثَجَّاجاً} [النبأ: 14].

1 | 2 | 3 | 4